أسبابُ اعتقادِ الشِّيعَةِ بأنَّ القرآنَ الكريمَ محرفٌ وناقصٌ ومبدَّلٌ:

أسبابُ اعتقادِ الشِّيعَةِ بأنَّ القرآنَ الكريمَ محرفٌ وناقصٌ ومبدَّلٌ:

غزة- فلسطين

أسبابُ اعتقادِ الشِّيعَةِ بأنَّ القرآنَ الكريمَ محرفٌ وناقصٌ ومبدَّلٌ:

1- عدمُ ذكرِ عقيدة الإمامة الشَّيعِيَّةِ، وعدم ذكرُ ما يتعلَّقُ بها من معتقداتٍ في القرآنِ الكريم: ذلك أنَّ الشِّيعَةُ يعتقدُ أنَّ الإِمامةَ من العقائد الرئيسةِ الداخلةِ في المعتقداتِ الأساسيَّةِ، فالإِمَامةُ عندهم أحدُ أركانِ الإسلام الخمسة، يَكفُرُ منكرُها، وحكمُه كالذي لا يؤمنُ بالله تعالى ولا بالرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والإمامة عند الشِّيعَة لهم مفهوم خاص امتازوا به عن سائر المسلمين فيعتقدون كما قال أحد كبار علمائهم المعاصرين([1]): "أنَّ الإمامة منصبٌ إلهيٌ، كالنُّبوةِ فكما أنَّ الله سبحانَه يختارُ من يشاءُ من عبادهِ للنُّبوةِ والرسالةِ، ويُؤيِدُه بالمعجزة التي هي كنصٍ من الله عليه... فكذلك يختارُ للإمامة من يشاءُ، ويأمرُ نبيَّه بالنَّصِ عليه، وأنْ يُنَصِّبَهُ إمامًا للنَّاس من بعده..".

2- اعتقد الشِّيعَة التَّحريفَ والتبديل في كتاب الله تعالى كي يتخلصوا من تناقضاتهم التي كَثُرَت في كتبهم ومصادرهم الرئيسة والمعتمدة عندهم. وخاصة فيما يتعلق بالصحابة رضي الله عنهم، فكتبهم المعتمدة وغيرها التي دونها علماؤهم مليئةٌ بسبِّ وتكفيرِ ولعنِ أصحابِ الرسول صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم، ولعنِ أمهات المؤمنين زوجات النبي عليه الصلاة والسَّلام . بينما القرآن الكريم كما هو معلوم جاءت فيه عشرات الآيات في مدحهم، ومن ذلك: شهادة الله تعالى لهم بصدق إيمانهم، وحسن أخلاقهم، وشهادته عزَّوجلّ لهم بطهارة القلوب وصفائها، والعبادة والجهاد، والهجرة والنصرة، وبَشَّرَهم بالمغفرةِ لذنوبِهم، والرضا عنهم، والرحمة، ووعد كلَّ من آمنَ منهم قبلَ الفَتْحِ أو بعدَه بدخول الجَنَّة. وجاءت مرويات الشِّيعَة تزعم بأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم مَحَو من القرآن الكريم سبعين قريشيًا وردوا بأسمائهم وأسماء آبائهم".([2])

3- عدم ذكر أسماء أئمة الشِّيعَة الاثنا عشر، وفضائلهم، ومعجزاتهم، وعدم ذكر فضائل زيارة قبورهم في القرآن الكريم، فهذا ونحوه دفع علماءَ الشِّيعَة إلى اتهام الصحابة رضي الله عنهم بحذف فضائل الأَئمَّة الاثنا عشر ومعجزاتهم من القرآن الكريم.

الرابع: اعتقادُ الشِّيعَة بأنَّ القرآنَ الكريمَ له ظاهرٌ وباطنٌ:

     الجديرُ بالذكرِ أنَّ التفريقَ بين الشريعة والحقيقة، وبين الظَاهرَ والبَاطنَ من خواصِ الفرق الصوفية والفرق الشِّيعِيَّة، حيث لا تُوجدُ فرقة شيعيةٌ إلاَّ وتؤمنُ بذلك، ومنها الشِّيعَة الاثنا عشرية، ذلك أنَّ الشِّيعَة الإثنا عشرية لم يجدوا فى القرآن كلَّ ما يساعدهم على أغراضهم وميولهم، فراحوا يدَّعون أنَّ القرآنَ له ظاهرٌ وباطنٌ، بل وبواطنُ كثيرةُ، وأنَّ علمَ جميعِ القرآن الكريم عند الأَئمَّة، سواءٌ فى ذلك ما يتعلق بالظواهر وما يتعلق بالبواطن، وحجروا على العقول، فمنعوا النَّاسَ من القولِ فى القرآنِ بغيرِ سماعٍ من أئمتهم.([3])

      وكتبُ القوم ومصنفاتهم شاهدةٌ على أنَّهم يعتقدون بأنَّ القرآنَ الكريمَ له ظاهرٌ وباطنٌ، وأنَّ لكلِّ تَنزيلٍ تأويلًا. ويدلِّلُ على ذلك: ما رواه الكُلَيْنِي في الكافي عن أحدِ من الأَئمَّة عندهم أنَّه قال: "إنَّ القرآنَ له ظهرٌ وبطنٌ"، وقد ذكر في هذا الباب 84 رواية.([4]) وجاء في تفسير العياشي عن جابر الجعفي قال: "سألتُ أبَا جعفرٍ عن شيءٍ من تفسيرِ القرآنِ، فأجابني، ثمَّ سألتُ ثانيةً، فأجابني بجوابٍ آخر فقلت: جعلتُ فدَاكَ كنتَ قد أُجبتَ في هذه المسألة بجوابٍ غيرَ هذا قبلِ اليوم، فقال لي: يا جابرُ إنَّ للقرآنِ بَطناً، وللبطن بَطناً وظهراً، وللظهر ظهراً يا جابر....".([5]) ويروون زورًا وكذبًا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّه قال: "ليس من القرآنِ آيةً إلاَّ ولها ظهر وبطن، ولا منه حرفٌ إلاَّ وله حدٌّ، ولكلِّ حدٍ مطلعٍ على ظهرِ القرآن وبطنِه وتأويلِه، وما يعلمُ تأويلَه إلاَّ الله والراسخون في العلم...".([6])

    وفي تفسير الصافي عن أبي عبد الله عليه السَّلامُ: "إنَّ القرآنَ أنزلَ على سبعةِ أحرفٍ، لكلِ آيةٍ منها ظهرٌ وبطنٌ، ولكلِّ حدٍ مطلعٌ، وفي روايةٍ: ولكلِّ حرفٍ حدٌ ومطلعٌ. وعنه عليه السَّلام : إنَّ للقرآن ظهرًا وبطنًا، ولبطنِه بطنًا إلى سبعة أبطن. وعن أميرِ المؤمنين عليه السَّلام : قال: ما من آيةٍ إلاَّ ولها أربعةٌ معانٍ، ظاهرٌ وباطنٌ وحدٌ ومطلعٌ، فالظاهرٌ التلاوة، والباطنُ الفهم، والحدُّ هو أحكام الحلال والحرام، والمطلعٌ هو مرادُ الله من العبد بها".([7])

    روى ابن بابويه القمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث جاء فيه أنَّه قال: "إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله عَلمَنِي ألفّ بابٍ من العلم، يَفتحُ كلُّ بابٍ ألفَ بابٍ، ولم يَعلمْ ذلك أحدٌ غيري".([8])

       وتزعمُ الشِّيعَة أنَّ هذه العلوم توارثها أئمتهم بعده، فعلى ذلك يقول الكُلَيْنِي محدِّثُ الشِّيعَة في خطبه كتابه الكافي: "فأوضحَ الله بأئمةِ الهدى من أهل بيت نبيِّنا صلَّى الله عليه وآله عن دينه، وأبلجَ بهم عن سبيلِ مناهجِه، وفتحَ بهِم عن باطنِ ينابيعِ علمِه، وجعلَهم مسالكَ لمعرفتِه، ومعالمَ لدينِه، وحجَّابًا بينه وبين خلقه، والبابُ المؤدي إلى معرفةِ حقِه، وأطلَعهم على المكنونِ من غيبِ سِرِّه، كلَّما مضى منهم إمامٌ نصبَ لخلقِه من عقبِه إمامًا بيِّنًا، وهاديًا نيّرا، وإمامًا قيِّمًا، يهدونَ بالحقَّ وبه يَعدلون".([9])

    ولقد جعل علماء الشِّيعَة في تفسيرهم للقرآن الكريم -كما في مروياته- الظاهر يقال لجميع شيعتهم، وأمَّا الباطن فلا يقالُ إلاَّ لخواصِ شيعتهم ممَّن أُعطوا القدرةَ على التحمل!!!. فعن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله ع: إنَّ الله أمرني في كتابه بأمرٍ فأحبُّ أنْ أعمله، قال: وما ذاك؟ قلتُ: قولُ الله عزَّوجلَّ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قال: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) لقاء الإمام، (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) تلك المناسك، قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله (ع) فقلت: جعلت فداك، وسألته عن الآية الماضية فقال: أخذُ الشارب وقصُ الأظفار وما أشبه ذلك، قال: قلت: جعلت فداك، إن ذريحَ المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له: لقاءُ الإمام وتلك المناسك، فقال: صدقَ ذريحٌ وصدقتَ، إنَّ للقرآن ظاهراً وباطناً، ومن يحتملُ ما يحتملُ ذريحٌ".([10])

    وقد استغلت الشِّيعَة القول بأنَّ القرآنَ الكريمَ له تفسيران ظاهرٌ وباطنٌ، فزعموا أنَّ الظاهرَ من آيات القرآن التي تتحدثُ عن الفضائل والمدح ونحوهما يراد بها أئمتَهم وأشياعَهم، وباطنُ آيات العذاب والتهديد والوعيد ونحوها يرادُ بها خصومُ الشِّيعَة وهم الصحابة رضي الله عنهم، فقال أحدُ مشايخهم: "وقد دلَت أحاديثُ متكاثرةٌ كادت أنْ تكونَ متواترةً على أنَّ بطونَها وتأويلَها بل كثيرٌ من تنزيلها وتفسيرها في فضلِ شأنِ السادة الأطهار... بل الحقُّ المتبيِّنُ أنَّ أكثرَ آياتِ الفضل والإنعام والمدح والإكرام، بل كلُّها فيهم وفي أوليائهم نزلت، وأنَّ جلَّ فقراتِ التوبيخ والتشنيع والتهديد والتفظيع؛ بل جملتها في مخالفيهم وأعدائهم... إنَّ الله عزَّوجلَّ جعلَ جملةَ بطنِ القرآن في دعوة الإمامة والولاية، كما جعل جلَّ ظهرِه في دعوة التوحيد والنبوة والرسالة....".([11])

     ولهذا فقد اشتدَّ حرصُ الشِّيعَة على أنْ يعقدوا صلةً بين المعاني الظاهرة والمعاني الباطنة للقرآن الكريم، ويعملوا بكل ما فى وسعهم وطاقتهم على إيجاد مناسبة بينهما، حتى يُقرِّبوا ذلك من عقول الناس، ليكون أمراً سائغاً مقبولاً لديهم. ومن أمثلة هذا التوفيق والربط بين ظاهر القرآن وباطنه، قوله تعالى: (مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات) سورة محمد:15. فهم يقرُّون أنَّ هذا الظاهرَ مرادُ الله تعالى، ومرادُ له مع هذا الظاهرِ معنىً آخرَ باطنيَ، هو علوم الأَئمَّة عليهم السَّلام ، ويزعمون إنَّ الجامعَ بين المعنيين هو الانتفاعُ بكلِّ منهما، وبمثلَ هذا يوفقون بين المعاني الظاهرة والباطنة، حتى لا يكونَ مستبعداً إرادةَ الله تعالى لمعنى خاص بحسب ما يدلُّ عليه ظاهرُ اللفظ، وإر